محمود الشريف

mahmoud.jpgهو سر الإسكندرية ….. سر المدينة التي لا تتوقف عن تفريخ المبدعين ….
دائما ما كنت أقارن الإسكندرية بحلب فهذه المدينة قادرة بشكل عجيب على إنتاج عباقرة الموسيقى والغناء أمثال سلامة حجازي وكامل الخلعي وسيد درويش .. ولكنهم للأسف لا يشتهرون إلا عندما يشدون الرحال إلى مدينة الشهرة مدينة القاهرة. وهذا ما يحدث مع حلب ففيها يخلق الفن ولكنه لا يجد طريقه للشهرة إلا عندما يشد الرحال إلى دمشق أو بيروت او غيرها من العواصم الثقافية الكبرى .
ولعل السبب المباشر برأيي لقدرة هذه المدينة هو ذلك التمازج الرهيب بين الثقافات الفنية الموجود فيها
ففي الإسكندرية كما تعلمون هناك الحانات الصغيرة ( اليونانية ) التي تضج بالموسيقى اليونانية …. وكان هناك أيضا كمُ اليهود والشوام والبحارة من كل الجنسيات الذين يأتون برقصهم وغنائهم وثقافتهم الفنية.
هذا التمازج جعل الإسكندرية مرتعاً خصبا لموسيقى جميلة تستلهم من البحر ومن وراء البحر

وفي مدينة الإسكندرية المدينة التي ولد فيها أكبر الكبار العملاق سيد درويش ولد عملاق آخر هو محمود الشريف حسين إبراهيم… الذي هو برأيي أحد أكبر أساتذة التلحين ممن أثروا الحركة الموسيقية والفنية في أواسط القرن العشرين.

 

ولد محمود الشريف في حي باكوس في 2 سبتمبر 1912 ( في مصادر أخرى ولد في 20 ابريل من نفس السنة ) . لأب كان يعمل شيخا في مسجد العجمي و تاجرا بسيطا للزهور .

 

طفل ظهر نبوغه الموسيقي فبدأ يحفظ أغاني سيد درويش ويرددها على أقرانه ، متأثرا بأخيه الأكبر الذي كان موسيقيا بأوركسترا القوات البحرية المصرية .

 

التحق هذا الطفل بالكتاب في سن الخامسة وبعدها ألحق بالمدرسة الابتدائية….

 

في سن الثانية عشرة درس العود على يد العازف محمد فخري . ومن ثم على يد الأستاذ أحمد فؤاد …

 

وفي سن الخامسة عشرة بدأت تظهر لديه موهبة التلحين فبدأ ممارسة هواية التلحين والغناء في السهرات الخاصة ثم بعد ذلك في الإذاعات الأهلية وعلى مسارح الإسكندرية.

 

وفي هذه السن حضر حفلا لمحمد عبد الوهاب ( حيث أعجب به أيما إعجاب ) وهنا فكر أن يصبح شهيرا مثل هذا الشاب ….

 

بلغ محمود الشريف السادسة عشر وبدأ صيته يذيع …. و كبر طموحه وأحس في داخله أن الإسكندرية لن تتسع لشخص مثله … فبدأ يفكر في الرحيل عنها … ولكن ظروفه المنزلية وصغر سنه منعته فاضطر أن يعمل مع الفرق المتجولة في الأرياف مثل فرقة الجزايرلى وفرقة فوزي منيب وفرقة احمد المسيري كمطرب ، وكان صوته جهيرا وقويا لدرجة أن بعض الناس أطلقوا عليه لقب محمود الراديو .

 

ومن ثم التحق بفرقة بديعة مصابني في القاهرة عام 1928 ممثلا ثم ملحنا ومطربا وظل يعمل معها لمدة 4 سنوات … عاد بعدها للإسكندرية وقد اكتملت تجربته الفنية من خلال احتكاكه بأقرانه من كبار المطربين والملحنين ممن كانوا يعملون مع بديعة من أمثال فريد الأطرش، إبراهيم حمودة، محمد عبد المطلب ( الذي نال نصيب الأسد من ألحان محمود الرائعة ) . فبدأ يلحن في الإسكندرية ويزور القاهرة كلما تسنى له .

 

عام 1933 لحن لعبد المطلب أغنية “بتسأليني بحبك ليه” وكانت السبب في شهرته وشهرة عبد المطلب ..

 

في العام 1938 قرر نهائيا أن يغادر إلى القاهرة ليستقر فيها…
القاهرة حلم كل مبدع حيث تتواجد شركات الإنتاج الكبرى وحيث يوجد أكبر تجمع للمبدعين في الشرق
وحيث تتوافر البيئة الخصبة للنجاح والشهرة فعرض على زميل صباه محمد عفيفي ( الذي كان يسجل ألحانه في القاهرة ) واتفق معه على المغادرة ولكن ظروف رفيقه محمد عفيفي كعائل وحيد لأم مسنة وحيدة ، منعته من السفر فأجهض المشروع …

 

وفي عام 1939 بدأت الحرب وضربت الإسكندرية من الجو …. فسرع هذا من قرار محمود الشريف بالسفر ولم ينتظر هذه المرة زميله الذي اعتذر مرة ثانية عن مرافقته لنفس الظروف .

 

و حط الملحن الكبير الرحال في القاهرة التي احتضنت موهبته فورا وحملته إلى الشهرة فور وصوله… وساعده في ذلك بعض ألحانه التي كانت قد اشتهرت من قبل وأهمها لحن بتسأليني بحبك ليه . الأغنية التي أعجب بها الموسيقار محمد عبد الوهاب أيما إعجاب فقد كانت أسلوبا جديداً في التلحين… فكانت هذه الأغنية السبب في نشوء صداقة متينة مع محمد عبد الوهاب. وهذه الأغنية بالذات هي أهم أسباب شهرته وارتفاع أسهمه في بورصة الموسيقيين والملحنين الكبار .

 

غرق محمود الشريف في موجة الأفلام الغنائية التي بدأت تسيطر على الفن… فلحن كثير من الأفلام ففي تلك الفترة نذكر منها:
مصنع الزوجات – عنترة بن شداد – غروب – طيش الشباب – بائعة الخبز – أنا بنت ناس – موعد مع الحياة – الملاك الظالم.

 

كان أول من تبنى فكرة البرامج والصور الغنائية في الإذاعة ففي عام 1943 قدم كروان الإذاعة محمد فتحي في البرنامج الغنائي ‘بالوما’ وغني فيه الشريف مع سعاد مكاوي ليستمر نجاحه في برامج مثل عذراء الربيع ومرآة الساحر ولولي الندي والراعي الأسمر و ريا وسكينة و قسم وأرزاق ‘السلطانية’ والذي غني فيه رائعته ‘الدنيا أرزاق قسمها ‘الخلاق سبحانه الرزاق’ كلمات عبد الفتاح مصطفي ولنجاح الشريف تهافت عليه منتجو ومخرجو السينما حتى أصبح أهم وأشهر ملحن لأفلام الأربعينات والخمسينات .

 

كان محمود أحد أسباب الكثيرين من المطربين ونقلهم إلى النجومية… من أمثال :
محمد عبد المطلب – شادية – سعاد مكاوي – نادية

 

كمل لحن لكبار مطربي ومطربات عصره من أمثال :
ليلى مراد – نجاة علي – فايزة أحمد – محمد قنديل – عباس البليدي – نجاة الصغيرة – عبد الحليم حافظ – وردة – محرم فؤاد – هدى سلطان – شهرزاد – محمد رشدي – محمد العزبي – شريفة فاضل وغيرهم .
كما لحن معظم المونولوجات التي أداها شكوكو وثريا حلمي وإسماعيل يس .

 

عام 1946 حدث أهم احدث في حياة محمود الشريف حين أعلن زواجه بأم كلثوم .
وأزعج هذا النبأ الكثيرين ممن داروا في فلك أم كلثوم ، فلم يستمر إلا أياما معدودة وانتهى بانفصالهما بقرار ملكي وكانت علاقته بها قد بدأت عندما تم اختيارها نقيبة للموسيقيين وكان فى ذلك الوقت سكرتير عام النقابة ، وكانت النقابة في ذلك الحين تجمعا شهد أسماء كبيرة مثل محمد عبد الوهاب

 

اهتم محمود الشريف بالألحان الوطنية اهتماما كبيرا … فلحن الكثير منها ومن الأناشيد التي اختصت بها الكليات العسكرية …
حتى أتى عام 1956 حيث لحن أحد اهم أناشيده الوطنية على الإطلاق وهو نشيد الله اكبر الذي كان له اثر كبير في نفوس المصريين والعرب وخاصة ان النشيد أطلق أبان العدوان الثلاثي على مصر فساهم هذا النشيد في تعبئة الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج .
وقد حاز هذا النشيد على عدة جوائز في كثير من المهرجانات الفنية وكان شعارا للمقاتلين أثناء عبورهم لقناة السويس عام 1973 .

 

يقدر عدد ألحان محمود الشريف ب 800 لحن تقريبا .

 

كان محمود الشريف ملحنا ثريا شرقيا مجددا … فهو ذو جملة شرقية محكمة أصيلة وانسيابية ذات ليونة عجيبة بنفس الوقت … اكتسبها من حبه وحفظه للتراث وخاصة تراث سيد درويش .
لذلك كان التراث يفوح من ألحانه لدرجة أن بعض ألحانه كان يسبب خلطا عن المتذوقين ..

 

وأنا أعتقد أن محمود الشريف من أعظم عشر ملحنين في القرن العشرين وهذه قائمة بأهم ألحانه حسب رأيي .

 

نشـــيد الله أكبر

 

رمضان جانا – ودع هواك – بتسأليني بحبك ليه – ساكن في حي السيدة محمد عبد المطلب

 

القلب ولا العين سعاد محمد

 

زي البحر غرامك – تلات سلامات محمد قنديل

 

اســـــــأل علىّ ليلى مراد

 

يا حسن يا خولى الجنينة – حبينا بعضنا شادية

 

صدفة حلو وكذاب يا سيدي أمرك عبد الحليم حافظ

 

يا عزول فايزة احمد

 

على بختنا وردة

 

يا عطارين دلوني أحلام

 

عروس الروض ع الحلوة والمرة البيض الامارة عبد الغني السيد

 

حاز محمود الشريف على الكثير من الجوائز والأوسمة أهمها :

 

– وسام الاستحقاق السوري.
– وسام الكوكب الأردني ، عام 1957.
– وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى ، عام 1958.
– جائزة الجدارة في الفنون من الطبقة الأولى ، عام 1978.
– جائزة الدولة التقديرية في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة ، عام 1989.

 

توفي يوم الأحد 29 يوليو 1990 عن 78 عاما ، تاركا رصيدا فنيا هائلا ودفن رحمه الله في الإسكندرية حسب وصيته!!

 

رحمه الله كان قامة فنية كبيرة… ستظل عالية إلى أبد الدنيا .

4 آراء على “محمود الشريف

  1. من أشهر أعمال الموسيقار محمود الشريف أغنية “يا ولا يا ولا” لعبد الغني السيد

  2. للعلم فإن الفنان الملحن محمود الشريف صهر الفنان محمد عبد المطلب

  3. هناك تصحيح لمعلومة خاطئة وردت وهى أن ملحن أغنية ساكن فى حى السيدة للمطرب محمد عبد المطلب ليس محمود الشريف ولكن الملحن محمد فوزى وشكرا مع رجاء إعطاء الضوء أكثر لألحان مجمود الشريف هذا الملحن العبقرى.

  4. شكرا على هذا العرض الدقيق لحياة و أعمال الموسيقار محمود الشريف . و أرجو منكم التحري حول أغنية ” خلاص نسيت حبك يا قاسي” التي كانت تذاع في آخر الخمسينات ، ترى هل هي من ألحان الشريف و غنّتها مطربة ؟ أم أنا غلطان.

اترك رداً على أشرف السيد الجبرى إلغاء الرد