الإصلاح والقضاء

صيرت لنا الظروف من خلال تطور تقنيات الاتصالات الجديدة والمتوفرة بكثرة سواء في عدد الفضائيات ، أو من خلال شبكة الانترنت أن نعاين الدنيا معاينة المتفحص أولا والمندهش ثانيا لندرك وبدون عناء حجم التقدم الذي يفصلنا عن معظم بلدان العالم بمن فيهم دولا كنا نعدها دولا من العالم الثالث ….
ولعل أكثرنا يتمتع بل وحتى يستمتع بهذا التأخر ،ويستمر بالعيش وفي ذهنه المثل الشهير .. ( امشي الحيط الحيط ..وقول يا رب السترة ) .
معظم الناس ونتيجة لهذا الإطلاع الواسع ..تفتحت عينهم على أحوالنا في سوريا .. أحوال يرثى لها …
فصاروا يفكرون ..بكيفية الخلاص بالترافق مع رغبة ملحة في إصلاح سورية المتعبة ، والقضاء على الفساد المستشري .
وأتت عام 2000 قيادة شابة .. تعرف ما معنى أن يتفتح ذهن الناس .. وأن يدركوا ما كان مخفيا عنهم لعقود خلت
الإصلاح كان الشعار الوحيد الذي نادى به سيادة الرئيس بشار الأسد !!
وفرح الناس بالشعار واستبشروا خيرا
سار الإصلاح بخطوات سريعة أولا بما سمي بعد حين بربيع دمشق …. واستبشر الناس خيرا ….. فالأمور تسير ….
ظروف المواطن تحسنت ..من خلال رفع المعاشات ( للموظفين ) …. ولعدة مرات …..
ظروف البلد تحسنت ..من خلال قوانين سنت لتشجيع المبادرة الفردية … كتشجيع التجار … والسماح بالاستيراد … وتقريب سعر الدولار إلى سعر السوق العالمي … الخ .. الخ .
وعندما وصل الأمر إلى الحريات ….سرعان ما تباطأت المسيرة … وخنق ربيع دمشق …..
وماذا عن إصلاح القضاء ؟
وماذا عن الحريات ؟
وماذا عن فصل السلطات ؟
نعم نحن بحاجة إلى إصلاح الفساد المستشري في النظام القضائي … بدْا من أصغر كاتب في أي محكمة ومرورا بقوانين ( قوانين الشرف مثلا ) وانتهاء بالجسم القضائي نفسه … والرشوة المنتشرة فيه .
و جل ما نرغبه يتلخص ببندين … نعم يا سادة مجرد بندين ….
قضاء نزيه وعادل …
فصل السلطات ( التنفيذية والتشريعية والقضائية )
فالقضاء النزيه … يضمن على الأقل حقوق … آلاف المواطنين المظلومين الذين حكم عليهم بدون عدالة تقريبا لمجرد قوة أو واسطة الخصم ( ناهيك عن آلاف العقوبات التي أصدرتها محاكم أمن الدولة ..التي لا تمت للعدالة بصلة ) …
وفصل السلطات يعني بالضرورة تمكين القضاء من بحث أي حالة فساد يشتكى بشأنها عند أي مسؤول مهما بلغ شأن هذا المسؤول
وهذين الأمرين اللذان هما برأيي جزء هام من مجموعة أحلام اليقظة التي تقض مضجع المواطن السوري …
و منذ ثلاثة أيام أصدر السيد الرئيس مرسوما يرفع الحصانة عن القضاة وخول مجلس الوزراء و” لأسباب يعود تقديرها إليه”  صلاحية عزل أي قاض دون توضيح المسببات ولمدة 24 ساعة ، وقد تم خلالها تسريح 80 قاضيا ،
طبعا ترافق القرار مع قرار لتحسين الوضع المعاشي للقضاء من خلال زيادة قدرها 25% طبعا القرار يثبت جدية الحكم في إصلاح الجسم القضائي .
وبغض النظر عن مدى استحقاق من فصلوا من الخدمة للفصل ..فإن القرار غريب جدا …
إذ أن قرارا مثل هذا قد يكون هدفه الإصلاح من خلال الاستغناء عن قضاة فاسدين … إلا انه يضرب ثلاثة مسلمات
أولى هذه المسلمات : أن السلطة التنفيذية أعطيت صلاحيات لعزل أشخاص يمثلون سلطة أخرى مختلفة وهي بالعرف أقوى ( طبعا في الدول المتقدمة السلطة القضائية هي أعلى ) وهذا ما يضرب أساسا مطالبنا في فصل السلطات .. فبدل أن نحكم القاضي في المسؤول .. نحكم المسؤول في القاضي ؟
ثاني هذه المسلمات : أن العزل تم بدون مسببات ؟ أي أن القاضي عوقب دون محاكمة ؟ يعني هذا خرق فاضح للدستور الذي يمنح حق التقاضي لكل مواطن ..وهذا المرسوم يمنع القاضي من رفع دعوة تظلم على ..يا خي إذا كان القاضي مرتشيا …حاكموه ..فنحن كشعب نريد أن نحاكم الفاسدين .
ثالث هذه المسلمات : هو خرق للدستور السوري الذي ينص أنه لا يجوز لأي سلطة أن تتدخل في عمل القضاء ونشاطه و إلا اعتبر ذلك مساساً بمبدأ الاستقلال .
طبعا يحق لنا وللبعض أن ينظر بشك … فما يدرينا أن القضاة سرحوا وليس لأسباب أخرى غير الفساد ( فهم لم تثبت عليهم أي تهمة أصلا ولم يحاكموا ؟)
ما لذي يدرينا أن لا يصرف الشخص لانتماءات دينية أو حزبية أو حتى طبقية ؟
نعم يا سيدي الرئيس ..نريد الإصلاح …
نريده اليوم وليس غدا
نريده كما نروم الخير و الرفاه …. والحرية
لكننا نريده إصلاحا دستوريا عن طريق دولة القانون .. مبنيا على أسس راسخة ، وليس عن طريق مراسيم … قد لا تؤدي إلا إلى المزيد من المشكلات .

رأيك يهمنا