الله الله يا أبو أيمن ….
لا يستطيع أحد أن يسمع ارتجال حسان تناري ولا يصيح … الله الله يا أبو أيمن الملك …. وهو بالفعل ملك آلته …..
الله الله …. عصفور من الجنة لا يتوقف عن التغريد …
صاحب معصرة النبيذ الأبدية التي لا تتوقف عن طرح النبيذ .. ولكنه نبيذ من نوع مختلف …. من الذي يسكر ولا يفقد الاحساس ….
انه نبيذ الانغام التي تصدر عن آلته الموسيقية السيدة … سيدة الآلات الشرقية … آلة القانون …
إنه العازف الحوت حسان تناري …
حسان كان صديقي ورفيق عمري وزميلي في الفرق الموسيقية المختلفة على مدار 25 عام …. ولولا أنه رحل شابا لامتدت رحلتنا سويا … ولكن يد القدر اختطفته باكرا … انه قدر المبدعين المميزين …
تعرفت على حسان أثناء دراستي في المعهد العربي للموسيقا عام 1973 حيث كان في سنته الخامسة والأخيرة وكنت أنا في سنتي الثانية … ( الأولى في العملي ) فقد كانت الدراسة في معهدنا خمس سنوات أول سنة ندرس النظري ومن ثم اربع سنوات نظري وعملي ( على الآلة ) .
ولازلت أذكر لليوم كيف تعرفت على حسان آنذاك …. فقد كان قسم القانون بالطابق الأول من معهدنا بينما كان قسم آلة الكمان في الطابق الثالث ….. كان حسان دؤوبا على التمرين … فكان يعزف كل يوم لساعات حتى بعد دروسه ولأن أساتذته ( علي واعظ – وايضا الدكتور سعد الله آغة القلعة ) كانوا يستشعرون مدى موهبته فقد كانوا يتركون له الغرفة ليتمرن فيها ما يشاء من وقت . بل حتى أن مدير المعهد آنذاك الأستاذ هاشم فنصة أعطاه هذه الميزة التي لم يعطها سوى لقلائل من العازفين .
كنت امر أمام حجرته … فتسحرني الأنغام التي تصدر عن آلته … الرائعة … وكان الاحساس بالخدر والنشوة يغمرني خاصة أننا ندرس الموسيقا الغربية على آلة الكمان ومحرومين من ان نعزف الموسيقا الشرقية التي هي أساس موسيقانا .
دخلت ذات مرة متسللا وبدون أن أصدر أي صوت … فوجدته يعزف شاردا غائبا في ملكوت ما … عيناه مفتوحتان …. ولكنه لايرى ….لم يحس بوجودي … بدا لي وكأنه نبي ما لحظة تلقيه الوحي …. كانت تقسيمة طويلة من نغم الكرد ( حجاز كار كرد ) لازلت أحس أني أسمعها حتى الآن .
ساعتان مرتا دون ان ينخفض مستوى انبهاري وطربي أسمعه وانا مغمض العينين طائرا … ودون ان يحس حتى بوجودي … وانتهى …. فتبه لوجودي وفتحت عيناي عندما توقف … فوجدته ينظر لي ويبتسم … وهكذ ا تعرفنا ….
وافترقنا لعدة سنوات بعد تخرجه …. والتقينا عندما ألفت فرقة في حلب عام 1980 اسمها فرقة النسيم … وكنت وهو من مؤسيسيها … كان الماستر بلا منازع … سيد العازفين لسيدة الآلات الموسيقية …. وهكذا بدأت رحلتنا سويا التي عزفنا فيها مع معظم مطربي سوريا والعالم العربي … فلا يمر اسبوع الا وأراه …
وآخر حفلة عزفت فيها معه كانت في ألمانيا 1988 عندما سافرنا مع فرقة النسيم في جولة فنية مع عدة مطربين وأقمنا هناك حوالي 8 حفلات في المدن الألمانية .
حتى عندما تركت العزف وتفرغت للتلحين … كنت أراه واتابعه …. والتقي به …. كنت أحبه ويحبني ….
ولاتخلو جلسة من جلساتنا من نهفة ما أو ضحكة ما … أو حتى نقاش مفيد ما .
وعندما أصبحت مديرا فنيا لنادي شباب العروبة أصريت على وجوده في النادي فهو قيمة فنية كبيرة وعازف صولو من الطراز الأول ….
كان حسان عازفا مهم ومختلف …. فهو بالاضافة الى براعة العزف ودقة الدوزان … وقوة الريشة … والعلم الموسيقي الغزير … كان يملك حسا ارتجاليا مخيفا … فلا تكاد تعرف مالذي سيعزفه وما هي الجملة التي سيبوح بها ….
كان يملك مخزونا هائلا من الطرب والجمل الموسيقية … نبع لا ينضب من الجمل
لم أحزن على أحد في حياتي مثلما حزنت على حسان عندما توفاه الله
حسان محطات سريعة :
– ولد حسان عام 1960 في مدينة أبي العلاء المعري ( معرة النعمان تبعد عن حلب حوالي 60 كيلومتر) . لأب موسيقي عازف كمان . هو عبد الحميد التناري .
– عاش في حلب .
– درس في المعهد العربي للموسيقا من عام 1968 وتخرج منه عام 1973 بدرجة امتياز .
– تتلمذ على يدي الأستاذين ( الدكتور سعد الله آغة القلعة – الأستاذ علي واعظ ) .
– انتسب الى نقابة الفنانين عام 1976 رغم صغر سنه ومن ثم أخذ صفة قائد فرقة .
– عين رئيسا لفرقة نادي الضباط 1979 خلال تأديته لخدمة العلم .
– عمل مع المطرب الكبير الأستاذ صباح فخري منذ عام 1979 وانتهى عام 1994
– نال شهادات تقدير من كثير من الجهات منها الجيش والقوات المسلحة السورية والمغربية
– شارك مع الفرقة الماسية في مصر عدة مرات .
– مَثّلَ بلدهُ سورية على آلة القانون من خلال عدة مهرجانات ومِنها مهرجان مركز الموسيقى العربية المتوسطية عام /2000/م بتونس , ومهرجان المعهد العربي للموسيقى عام/2001/م في العاصمة الفرنسية باريس , ومهرجان الكونسرفتوار للموسيقى عام /2003/م بلبنان , كما دُعِيَ إلى مهرجان الموسيقى في مصر وتركيا والجزائر وبسبب التزاماته الفنية أعتذر عن المشاركة .
– عمل مدرسا لآلة القانون في نفس المعهد الذي تخرج منه . حيث تتلمذ على يديه الكثير من العازفين .
– وضع منهاجا علميا لآلة القانون … لكنه لم ينشر رسميا رغم أنه تم اعتماده من قبل كثير من المعاهد .
– لحن العديد من المقطوعات الموسيقية الموجودة في أرشيف إذاعة حلب بالإضافة إلى العزف المنفرد والتقاسيم , وكان آخر ألحانه سماعي من نغم البستنه كار .
– نال ثُلُثَ الكتاب الذي كتبته الباحثة الموسيقية هدى خليفة محمد خليفة عن الفنان الراحل حسان التناري في كتاب يبحث في دراسة مقارنة أساليب العزف على آلة القانون في مصر وسوريا في الفترة الممتدة مابين عام /1965/م وعام/1985/م تحت إشراف الأستاذ الدكتور نبيل عبد الهادي شوره و المدرس الدكتور يسري حنفي حسين الحامولي حيث تحدثت الكاتبة عن براعته وأسلوبه المتميز بالعزف على القانون ونوطت الكثير من تقاسيمه المرتجلة داخل الكتاب وذالك عام 2001
– توفي حسان عن عمر يناهز 44 في 3-12-2004 بعد معاناة من عدة امراض كان مرض السكر أكثرها وقعا ,
رحم الله حسان … كان حسان باختصار وبكلمتين …. فنان كبير .
احسنت وصفا حسان له فضل على كل عازفين حلب في وقتنا هاذا وكل ما اسمع باسمه احس بغصة من اعماقي
ياسلام ياسلام
فنان جبار وصاحب اسلوب فريد وبصمة موسيقية مميزه
اشكرك على مشاعرك النبيله اتجاهه واغبطك في نفس الوقت على معرفة هذا الهرم الموسيقي العملاق