إن تأثير الموسيقى يعتبر قوة طاغية لا تقاوم . . . وخاصة أنها تصل الإنسان رغما عنه . .
فالطفل يستمع للموسيقا المحيطة به ابتداء من غناء الأم ومناغاتها له وحتى الأصوات التي تحيط به دون أن يكون لديه إمكانية صم أذنيه وخاصة أن العضو الحسي الذي يستعمل للسماع لا يمكن إيقاف عمله مطلقا حتى أثناء النوم . . . فالأذن هي العضو التذوقي الوحيد الذي يعمل حتى أثناء النوم . . .
فنحن نستطيع أن نغض أبصارنا عن تذوق جمال لوحة ما . . . أو منحوتة ما . . . ولكننا لن نستطيع أن نمنع تسلل نغمة ما مهما بلغت تقنية التطور . . . في إخفاء الأصوات . . .
نأتي هنا . . . إلى نوعية تلقينا لكل فن على حدا . . فإننا وبسهولة نستطيع نتأمل أي عمل فني ( لوحة – منحوتة – بناء معماري هندسي ) من جوانب ذاتية وذلك لأن الأعمال الفنية محسوسة من جميع جوانبها . . .
فأنت تستطيع أن تدور حولها وتتأمل في أدق تفاصيلها وخاصة أنها بالنهاية فن نتيجته ثابتة . . . أما الموسيقى فالتأمل فيها يودي إلى تصور أو حالة آنية قد تتغير عندما تستمع إليها مرة أخرى . . . فكثير من المؤلفات الموسيقية تعطيك مشاعر مختلفة في كل مرة تستمع إليها . . . وهنا تكمن قيمة الحرية في الموسيقا . . بل وحتى الاستقلال عن كل ما هو محيط . . . بل وتصل إلى أن الشعور بالفردية والاختلاف بين الفرد والفرد يتجلى أكثر ما يتجلى بطريقة ونوعية ونتيجة تلقينا للعمل الفني الموسيقي . . . هنا نأتي لشيء مهم أن الفصل بين الصوت ومضمونه ممكن ولكنه يلغي صفة الموسيقا . . . ويجعلها مجرد صوت أو حالة فيزيائية طبيعية . . . أما في بقية الفنون فيمكننا هذا دون المس بالعملية الفنية وبكل جوانبها ونتائجها .
يقول المفكر العملاق هيغل :
حين تفتقر الموسيقى لمضمون عميق أو تعبير حي فإن الإنسان يستطيع أن يستمتع أو يتذمر من بالصوتية والبهجة الحسية الخالصتين أو أن يساير الحركة التناغمية واللحنية على ضوء اعتبارات عقلانية محضة .