الموسيقا والايقاع

كل أنواع الفن تفتقر إلى ما يسمى آلية الزمن والتوقيع . . . فجميع الأشكال الفنية تصطف اصطفافا ساكنا ومباشرا أمام المتلقي إلا في الموسيقى . . . حيث تحتاج الموسيقا إلى اهتزاز الأجسام حتى تصدر . . . وخاصة أنها بالأساس هي نتيجة حركة موجات . . .
ولا نستطيع أن نقول عن الصوت أنه أصبح موسيقا إلا بتعاقبه وتتابعه وهذه ما يسمى بدورة الإيقاع . . .
ولكن العشوائية قد تخلي الموسيقا من أي قيمة فنية فلابد إذا أن يكون هناك ترتيب معين للدورة الصوتية . . . أو ما يسمى بدورة الزمن ( وهو ما نسميه اصطلاحا بالإيقاع ) .
على الصوت أن يملك بداية ونهاية . . . حتى يصبح جمالا موسيقيا . . . فالأنا الذاتية لدى كل فرد متعودة وبشكل خلقي . . أن تدرك أن لكل شيء بداية ونهاية . . . ما عدا ذلك الشيء المجهول العالي . . . الذي أنبئنا أنه الخالق عز وجل . وضمن هذه البداية والنهاية هناك آلية دوران تكرارية تعطي الصوت مضمون العمل الفني الموسيقي . ومن هنا بالذات نرى حتمية شيء ما أسميناه الوزن . . . ( ضابط الوزن ) .
يقول شوبنهاور في كتابه ميتافيزيقا الفن ( وكلمة ميتافيزيقا بالمناسبة وللمعلومات العامة تعني الماورائيات ) أنه يجب التركيز في فن الموسيقى على انصهار أجزاء الزمن لتؤلف وحدة تحقق للانا التطابق مع الذات .
ومن هنا نستطيع أن نعرف وظيفة الوزن بأنه إقامة وحدة زمنية تكون بمثابة ضابط ومقياس ومؤقت ومنظم لجريان الزمن الذي تدور به الأصوات لتؤلف موسيقى ما .
وهنا نستطيع أن نلبس هذا التعريف على أشكال فنية عدة . . . منها الرواية والمسرحية . . . والشعر . . .
وأي قارئ لأعمال دستويفسكي يستطيع ببساطة أن يدرك البعد الثالث للوزن والإيقاع في رواياته أو أستطيع هنا أن أذكر البحور الشعرية والأعمال الفنية للشعراء العرب . .
أنظروا إلى البعد الموسيقي الإيقاعي في هذه الجمل :
نعم . . . سرى طيف من أهوى . . . فأرقني .
أو :
الخيل . . . والليل . . . والبيداء . . . تعرفني .
أو
أضحى التنائي بديلا من تدانينا .
أو نستطيع أن نرى هذا التناظم ( الوزن – الإيقاع ) في العمارة من خلال النظر إلى أي مسجد قديم وطريقة توزيع الأعمدة فيه ووحدة سمكها وحجمها ) .
ولكن التكرار الوزن و الإيقاع في الأشكال الفنية هو تكرار أحادي ( حيث يلتقي فيه الوعي مع ذاته بحالة واحدة ) وهذا ما يدعى بالتأثير الأحادي الجانب . . مما يجعل الأعمال الفنية الأخرى لها طبيعة ثابتة النتائج فإما أن تعجب بالعمل الفني أو لا . . . أما الموسيقى فتخرج غالبا إلى تأثير متعدد نتيجة تباين صوتي ووزني وإيقاعي مما يجعلها ذات تأثيرات متباينة ووجوه عدة .
( بعض أنواع الشعر حاولت أن تخرج عن الوزن ولكن لم تنجح بالخروج عن الإيقاع العام للكلمة فنجحت نجاحا ضئيلا في التلوين وإعطاء مشاعر مختلفة ومن هذه الأعمال الفنية الموشح الأندلسي ) .
ولعل النجاح الأكبر في استعمال الملايين من الأوزان وإيقاع وصنعة باستخدام الكلمة كان في القرآن الكريم ولذلك فاجئ هذا الكتاب العرب وأدهشهم الصنعة الفنية التي فيه.

رأيك يهمنا