الخط يبقى …

صورة تتكرر كل أول عام دراسي ويراها معظم إن لم اقل كل التلاميذ في المدارس . حيث يقف المدرس في أول العام الدراسي ويكتب على اللوح ( السبورة ) ويكتب بخط منمق وجميل :

الخط يبقى زمانا بعد صاحبه     وصاحب الخط تحت الأرض مدفون

ولن يخفى على أحد طبعا أن المقصود هنا هو الخط بحد ذاته من الناحية الجمالية ولكن هناك معنى اعم وأشمل لهذا البيت أن المقصود بكلمة خط هنا هو كل ما يتركه الإنسان مدوناً من علم أو فن أو أدب وتبقى فائدته مستمرة رغم أن المبدع أو الكاتب رحل عن الدنيا و منذ زمن بعيد ….
ولكلمة الخط مدلولات أخرى كثيرة ، فلكلمة الخط معنى آخر نستخدمه كثيرا في حياتنا اليومية حيث يأتي بمعنى نهج أو مسار كأن يقال مثلا خط القطار … خط الهاتف …خط الرحلة .ولها عندنا نحن الفنانين معنى خاص جدا، فنحن الفنانين كثيرا ما نقول عندما نبدي رأينا بمطرب ما أو ملحن أو عازف ما أنه صاحب خط ما أو انه اتخذ أو ابتدع خطا خاص به وهذا ما يهبه خصوصية هي أهم ما يميز فنان عن آخر …
انظروا إلى حالنا في الوقت الراهن ….ألسنا نعاني من تشابه المطربين في الوقت الحالي …حيث أن جميع الأغاني تستطيع وبدون أن تظلمها أن تصفها بالأكليشيهات الجاهزة.
بل حتى بأصوات وبأغاني المطربين …. بدأنا نخلط …. ألم يحدث هذا معك أبداً …. أنا حدث معي … رغم اني أملك أذنا جبارة …. ومع ذلك خلطت أحيانا …فما بالك بالمستمع العادي .
أنا شخصيا عندما سمعت شريط مطريتنا الجديدة ( ذات الإمكانيات الجيدة ) رويدا عطية وبلحظات كثيرة خلطت بينها وبين نجوى كرم … وذلك لأنها أخذت ألحانا مصممة لنجوى كرم ومن نفس الملحن الذي شاركته نجوى نجاحاته او شاركها نجاحاتها !!!
في أوائل الثمانينيات عندما دخلت مجال الفن كنا أنا وزملائي من الفنانين الشباب كثيرا ما نتحدث ونتناقش في أمور الفن .. بل وأحيانا نصل إلى درجة العراك فكل متشبث برأيه … ولكننا كنا وبشكل عام من مناصري التكنيك العالي على حساب الجمال فكلما كان المطرب قادرا على أداء جمل موسيقية اعجازية أو صعبة الأداء دليل على انه أقوى ومن هنا فهو الأفضل حكما ، ومن هنا كنت أنا مثلا من أشد المعجبين بأم كلثوم وعبد الوهاب وصباح فخري و وديع الصافي من المطربين ومنير بشير من العازفين …( على سبيل المثال لا الحصر ) ..
ولكن مع تقدمي في السن ازددت علما وفهما … فأدركت وبمساعدة أمور كثيرة منها السماع والقراءة والاختلاط بكبار الفنانين أن الغرض الأساسي من الفن هو الجمال …. وان الإحساس أهم من التكنيك ( لا يلغي هذا أهمية الثاني ) .
قيل لي حينها أن الإنسان يستطيع أن يميز الجمال والصدق بسرعة كبيرة ومن هنا بدأت بإكتشاف الكثير من المطربين والمطربات والملحنين والعازفين والعازفات …
أعدت اكتشاف الكثيرين من أمثال ناظم الغزالي – سعاد محمد – كارم محمود – محمد خيري .. بل حتى أنني أعدت اكتشاف أم كلثوم ووديع وصباح فخري وعبد الوهاب فسمعتهم ولكن هذه المرة غير منبهر بالتكنيك العالي أو القدرات المعجزة ، بل سمعتهم بأذن قلبي ….
على فكرة هناك أصوات لها بالإضافة لخطها المختلف خصوصيتها الإلهية الخاصة بها ( تميز هو بالأساس هبة إلهية ) . انظروا إلى صوت محمد قنديل وأسمهان مثلا …..
يقول خالد ترمانيني حفظته الحكمة ….استمعوا بقلبكم أولا .

رأيك يهمنا