شيفرة دافنشي

davinci.gifقرأت الرواية الأشهر أخيرا … الرواية التي أثارت زوابع لا حصر لها … الرواية التي منعت في لبنان .وكما تعلمون لا يمنع
كتاب في لبنان ..إلا الشديد القوي ..
الرواية التي أصدر الفاتيكان فتوى يحض فيها المسيحيين وغير المسيحيين على عدم قرائتها  …. والسبب معروف … إنها رواية تقضي على كل الأسس والثوابت التي بالأصل بنيت عليها الكاثوليكية بداية من من تأليه السيد المسيح ….
إنها رواية تقوض كل ما هو مقدس .
إنها رواية دان براون، شيفرة دافنشي .
باختصار قرأت الكتاب القنبلة .
الرواية ممتعة وحافلة بالأحداث المتلاحقة .. مما جعلني أنجرف في القراءة ودون توقف .
حتى أنهيت الرواية في ثلاث أيام رغم أنها طويلة جدا وهو أمر نادر الحدوث معي ، حدث مثلا عندما قرأت روايتي لمن تقرع الأجراس لهمنغواي  وذهب مع الريح لمارغريت ميتشل

ولعل أهم ما يشد في هذه الرواية هو لعب دان براون على وتر المقدس والغريب ، والكل يدرك مدى قوة نزوعنا كبشر للانصياع للأسطورة والميتافيزيقيا في تفسير كل ما لا يمكن للعقل البشري الوصول إلى حلول لمعضلاته .

أكثر ما أعجبني في الرواية هو وضوح حقيقة هدم المقدس في نفوسنا دون الحط من قيمته الإبداعية أساسا ، وتوضيح أن سلطات الكهنوت المستمدة أصلا من العلاقة بالمقدس عن طريق ابتكار لغة تجعل المعرفة حكرا على أشخاص دون العامة ، هي سلطات وهمية ..يمكن تقويضها بمجرد جلاء الحقائق … الذي أخفاها أشخاص أرادوا الاستئثار بالمعرفة خدمة لأغراض أخرى .

الرواية من النوع البوليسي المليء بالأحداث التي تجري في عدة أمكنة وعدة دول .. ولعل أحلى ما يميزها هو تلاحق الأحداث واختلاف الأمكنة ومزج التاريخ والجغرافيا الحقيقيين بالحدوتة ، فمثلا تجري الأحداث الأولى في اللوفر … و استخدم الكاتب أيضا أماكن تاريخية أخرى شهيرة منها المقبرة الشهيرة في بريطانيا الواقعة في المعلم الديني الكبير كاتدرائية و يستمنسر و كنيس روزماري . وغيرها .. ولأنني زرت هذه الأماكن ومنها اللوفر ولذلك فقد دهشت لبراعته في استخدام الأمكنة بدمجها في الرواية … مما أعطاها موثوقية و واقعية … تجعل الرواية ذات طابع سردي حقيقي وكأنها حقيقة واقعة .
وطبعا استفاد الكاتب من استخدام الكثير من الحقائق التاريخية والعلمية التي قد تفيد الباحثين وتفيد القارئ في إضافة الكثير من المعلومات التاريخية والعلمية عن الكهنوت وغيره إلى رصيد معلوماته العامة .

تبدأ الرواية بجريمة قتل تقع لأحد كبار باحثي متحف اللوفر الفرنسي في اللوفر نفسه جاك سونيير الذي يتبين فيما بعد أنه الحامل الأكبر للسر العظيم المسمى بالدم المقدس أو الأم المقدسة الذي لا يعرفه سوى أربع أشخاص يتوارثونه جيلا بعد جيل . ( وقد قتل الأربعة في نفس الوقت تقريبا ) .
هذا الرجل الذي يترك على جسده علامات وطلاسم ورموز ومعضلات ( حسابية و رسومية و غيرها ) تقود حفيدته وأحد أساتذة الرموز الدينية الأمريكيين روبرت لاندون عبر حلها وفك غموضها إلى النتيجة الحتمية وهي لب ما تقوله الرواية .
وتتلاحق الأحداث متنقلة ، بل وقافزة ، من مكان إلى مكان ..ومن لغز إلى لغز  .. وتقابل بمعارضة خفيفة تصل إلى حد الإجرام … من جماعات يوحى أحيانا أنها تابعة للكنيسة . إلى أن تصل للنهاية … حيث يدرك القارئ ما يريد دان براون قوله .

ملاحظات لابد منها :

  • في الرواية هدم الجزء الإلهي من شخصية المسيح من خلال اكتشاف بطلي الرواية قصة الزواج المقدس من مريم المجدلية التي تعرض شخصها للتشويه ولقرون عدة بواسطة الكنيسة الكاثوليكية التي حولتها من زوجة للسيد المسيح وأم لولده إلى عاهرة تائبة .
  • في الرواية إحالة إلى الأصول التوراتية للكهنوت …. ومن ثم إحالة إلى الأصل الوثني للأنثى المقدسة أو للآلهة الأنثى صاحبة المجد المقدس و الحق المستلب …
  • في الرواية الكثير من الإشارات على الأصول الوثنية للطقوس ولعل صورة مريم وهي ترضع المسيح ما هي إلا استنساخ لصورة الإلهة  إيزيس وهي ترضع ابنها حورس .
  • في الرواية ذكر لكثير من الجماعات السرية … التي احتكرت العمل السري فمنها من ساند الكنيسة بملاحقة كل من يحمل الدم المقدس ..أو يحمل وثائق تدل على بشرية المسيح ..وقصة زواجه وإنجابه ومقتله ، ومنها من بالمقابل يساند هذه النظرية من المتنورين … لذلك تجد في الرواية ذكر لرهبان سيون الذين يحافظون أساسا على الدم المقدس ومنهم شخصيات كبيرة ..أمثال ليوناردو دافنشي وإسحاق نيوتن و فيكتور هيغو وبوتشيلي وهناك مثلا اخوية أبوس داي التي هي مجموعة تابعة سرا للفاتيكان تتبنى طقوس تعذيب الجسد …
  • الرواية مكتوبة بطريقة السينما … فهي مكونة من مئة مشهد تقريبا يقفز بينهم دان براون بكل براعة .. بين المكان والتاريخ … فكثيرا ما يريك شخوصا في فصل ما ومن ثم يقفز ليريك شخوصا أخرى في نفس الزمان … ولكن بمكان مختلف ….

الرواية برأيي رائعة وتستحق أن تقرأ .. أنصحكم بقرائتها .

رأيك يهمنا