شاعر الحب مما لاشك فيه أن حب أحمد رامي لأم كلثوم كانت الجذوة التي لم تنطفئ خلال حياته والتي أوصلته إلى الخلود أحمد رامي شاعر ذو موهبة رائعة في نظم الشعر أجزل الله له العطاء في موهبة الشعر ولمع اسمه في أوائل العشرينات حتى خيل للناس أن لا خليفة لأمير الشعراء غير أحمد رامي
و في منصف العشرينيات التقى أحمد رامي بأم كلثوم فإذا به يضعف أمام سحرها وتلين موهبته لإلهاماتها.
فينصرف عن الشعر إلى نظم الأغنية الدارجة لها ، وتستمرئ عاطفته مرعى ذلك الصوت الخصيب حتى يكاد ينسى نفسه ، وينسى موهبته الأصيلة ، وينسى ما جبل عليه وما خلق له ، قرباناً لوتر أم كلثوم. ولكن في نزول احمد رامي من قمة الشعر إلى سهل الأغنية الدارجة ، لم يهبط عبثاً ,وإنما حمل رسالة أدبية وقومية ضخمة ، هي رسالة الوثوب بالأغنية الدارجة من السفوح إلى القمم ، في الكلمة والمعنى معا ، واستطاع أن يطوع الصور والمعاني الشعرية العالية للكلمة العامية وأن يرقق عواطف العامة بالشجن والأنين والذكريات وغيرها من الكلمات التي تخلق الصور ، والتي لم تعهدها الأغنية الدارجة من قبل ، حتى صارت أغنية رامي مميزة على كل أغنية غيرها بشيء جديد ، هو قربها إلى الشعر ، وحتى أصبح رامي زعيم مدرسة في الغناء ، لم يتأثر فيها المؤلفون وحدهم ، وإنما امتد تأثيرها إلى روح الملحن وحنجرة المغني أيضا ولكن في السنوات الأخيرة من نظمه الشعر ارتد رامي عن الكلمة الدارجة إلى الكلمة الفصحى وعاد إلى الإيمان بما خلق من أجله ، وقد خلق ليكون على القمة التي يقف عليها أعلام الشعر العربي في هذا الجيل فمن هو الشاعر أحد رامي الذي جعل من شعره عرشاً تتربع عليه سيدة الغناء العربي أم كلثوم وصاغ لها أرق العبارات وأعذب المعاني من إحساس وشغف وعشق لصوتها يقول عنه أحد الشعراء : ( لم اعرف من بين سير الشعراء سيرة أكثر شاعرية من سيرة أحمد رامي الشاعر الذي انتقل من مروج النرجس في جزيرة طاشيوز اليونانية إلى الحياة بين القبور في حي الإمام ثم إلى مجامع المتصوفين في حي الحنفي ، ثم إلى عشرة الشاعر الخيام تحت أضواء باريس ، ثم إلى الفردوس الذي مدته لخياله أم كلثوم .
أحمد رامي من مواليد القاهرة ولد والنغم ملْ أذنيه…وكان أبوه وقتها طالبا بكلية الطب .. و كان أبوه شغوفاً بالفن يجتمع لديه دائما أهل الفن والطرب وعندما تخرج والده من كلية الطب أختاره الخديوي ليكون طبيبا في جزيرة يونانية ( جزيرة طاشيوز ) كانت ملكا خاصا للعباس الثاني كانت حياة أحمد رامي في السنين الأولى من حياته في هذه الجزيرة هي سنوات التفتح في براعم الأخيلة وهكذا تفتح برعم خياله على غابات اللوز والنقل والفاكهة ، والبحر والموج والشاطئ .. وكانت ملاعبه هناك بين مروج النرجس الكثيفة هذه المروج التي كانت من قبله ملاعب لهومير وغيره من شعراء اليونان الأقدمين ….. وعاد رامي من هذه الجنة وعمرة تسع سنوات ليلتحق بالمدرسة وقد وعي اللغتين التركية واليونانية تاركاً أهله في الجزيرة ليسكن عند أقاربه في مصر في بيت يقع في حضن القبور بحي الإمام الشافعي ، فاستوحشت نفسه وانطوت على هم وحزن عميقين.
وعندما رجع أهل أحمد رامي من الجزيرة اليونانية عاد أحمد مع أهله إلى حي الناصرية في القاهرة وما لبث أن تركه أبوه برعاية جده لكي يسافر إلى السودان .. فعاودت أحمد الوحشة بعد الإيناس ولولا أن خفت حدتها على نفسه إذ أنه كان يستأنس من خلال نافذته التي تطل على مسجد السلطان الحنفي حيث يمضي كل ليلة في الاستماع إلى مجامع المتصوفة يتلون أورادهم ويرددون ابتهالاتهم واستغاثاتهم في نغم جميل . وكان يأنس في النهار بمكتبة قريبه من بيت الرافعي وهو بيت علم وأدب وثقافة ووطنية … فكان أحمد يقضي بها جل وقته وكان أول كتاب وقع في يده فقرأه وتشبع به وحفظه عن ظهر قلب هو كتاب ( مسامرة الحبيب في الغزل والنسيب ) كلها مختارات من شعر العشاق والغزليين وهذا الكتاب لعب الدور الأول في حياة رامي ، فقرر مصير حياته …ومن خلال قراءاته من هذه المكتبة تعلق قلبه بحب الأدب وكان هناك جماعة أدبية اسمها جمعية النشأة الحديثة يجتمع في رواقها كل خميس جماعة من فحول ذلك الجيل .. ومنهم لطفي جمعة وصادق عنبر وإمام العبد … وقد توسم صادق عنبر في أحمد الصغير خيرا وسمعه يتلو الشعر في هذا الرواق الأسبوعي وواتته في هذا الرواق فرصة سانحة قرأ فيها أول قصيدة من نظمه وهو يومئذ في الخامسة عشرة من عمره وكانت أولى قصائده وطنية قال فيها يا مصر أنت كنانة الرحمن في أرضه من سالف الأزمان ساعد بلادك بابن مصر ونيلها .. واهتف بها في السر والإعلان وأول قصيدة منشورة له كانت في مجلة الروايات الجديدة ومطلعها :
أيها الطائر المغرد رحمــاك………فإن التغريد قد أبكاني
أنت مثلت في الغناء غريبا. غاب دهرا عن هذه الأوطان
وبعد أن تخرج من دار المعلمين عين مدرسا في إحدى المدارس وبعد ذلك عين أمينا للمكتبة فاطمأنت نفسه وانصرف إلى حياة أديبة خالصة وانكب على مافي المكتبة من آداب العالم الثلاثة العربية والفرنسية والإنجليزية ثم سافر في بعثة لدراسة اللغات الشرقية وفن المكتبات بباريس 1923 وهناك في باريس عاش أسعد ذكريات شبابه وكأنه كان هناك على موعد مع شاعر التاريخ عمر الخيام وعاد إلى القاهرة على عمله بعد عامين وظل يتدرج في مناصبها حتى أصبح وكيلا لها وقد جاوز الستين ولكنه ظل يلقب في المجامع والمنتديات بشاعر الشباب وقد مارس احد رامي ثلاثة أنواع من الأدب هي الشعر الوجداني والعاطفي والوطني ثم أدب المسرح فقد زود أحمد رامي المسرح المصري بذخيرة ضخمة تبلغ نحو خمسة عشرة مسرحية مترجمة عن شكسبير الخالد منه:/ هاملت ويوليوس قيصر والعاصفة وروميو وجولييت والنسر الصغير وغيرها مما قدمته مسارح يوسف وهبي وفاطمة رشدي في زمن عزة المسرح ثم انتهى إلى نظم الأغنيات عندما ولع بأم كلثوم وبها اشتهر وطار ذكره حتى أوشك الناس أن ينسوا رامي شاعر الفصحى ، ورامي كاتب المسرح ولم يذكروا إلا شاعر الأغاني .. إلى أن ارتد إلى إيمانه بالشعر وغنت أم كلثوم القصائد له ومنها يا ظالمني ، دليلي احتار ، عودت عيني على رؤياك ، حيرت قلبي معاك ، أنت الحب ، يا مسهرني ، وحياة الحب ،…. وغيرها من الأغاني الرائعة الأصيلة والخالدة حتى يومنا هذا وهاك مقطعا من قصيدة قصة حبي ذكريات عبرت أفق خيالي … بارقاً يلمع في جنح الليالي نبهت قلبي من غفوته….. وجلت لي ستر أيامي الخوالي كيف أنساها وقلبي …. لم يزل يسكن جنبي إنها قصة حبي ذكريات داعبت فكري وظني … لست أدري أيها أقرب مني هي في سمعي على طول المدى ….. نغم ينساب في لحن أغن بين شدو وحنين ……. وبكاء وأنين كيف أنساها وسمعي …. لم يزل يذكر دمعي وأنا أبكي مع اللحن الحزين .
ياريت اكتر
http://www.isismylove.blogspot.com
هده قصيدة شعرية لأحمد رامي
صادح يبعث الشجون الى القلب و يدعو الأرواح أن تستهاما أرسلته الأيام طيرا شجيا يكسب الزهر نظرة وا ابتساما كلما شاقه الجمال تغنى فسمعنا غناءه الهاما
عشت يا مجدى يا علوش
حقا ان رامى يستحق النقل عنه
والنقل منه
انه نهر وبحر وسهل وجبل ووادى
هو حقول من ورد وفل وياسمين
وتراتيل من صلاة وابتهال وترانيم
اتمنى ان تكتبوا عن حياة الشاعر بصورة موسعة لافادة الطلاب التى هم بحاجة لذلك وشكرا لكم
أحمد رامى
المَغْنَى.. حياة الروح
فى منطقة ما بين (الصوفية) و(الماشوسية) يقف شاعر الشباب أحمد رامى. فمن الصوفية من ذاق فعرف فامتطى صهوة جواد البوح ليلقى فى قلبه وقلوبنا شعرا نورانيا مصفى. ومنهم من ذاق فعرف فكتم واحتضن فيوضات اللذة وتقوقع فى شرنقة الوجد.. وقد ذاق رامى الحب فعرف وتوحد مع المحبوب مما يضعه في أعلى مراتب الصوفية ولكنه فى الوقت نفسه وضع نفسه ربما مرغما وغالبا راضيا فى بؤرة الحرمان فصار يستعذب الهجر والصد بل ويستعذب العذاب ذاته.. مما يجعله أحيانا فى صورة (الماشوسى) الذى يستعذب الألم ويقتاته.
والغريب أننا كلما فتشنا فى كواليس المبدعين اكتشفنا أن الحرمان بأنواع وأشكال مختلفة والحرمان من أشياء مختلفة (قدر) يسيطر على بداياتهم أو على كل مشوارهم وأنه (الوقود) الحقيقى لإبداعاتهم.. وقد أجمع غالبية الذين كتبوا عن رامى على أن الحرمان كان العمود الفقرى لتجربته، فيقول الدكتور مندور فى كتابه (الشعر بعد شوقى) (إن حب رامى حب المحروم وأن هذا الحرمان هو زيت القنديل الذى أضاء كل أشعاره).
وكتب الشاعر صالح جودت أكثر الناس قربا والتصاقا برامى (رامى ضد المتعة.. ضد اللوكس.. أوضة نوم فى بيته ما زالت بعفشها الذى تزوج به – مكتب قديم مكسور الرجل.. والفونوغراف أبو بوق.. والسرير يئن ويزوم تحت جسد رامى النحيل وينذر بالانهيار.. كلها يحتفظ بها بمعزة لأنها تذكره بأيام متعته : أيام الحرمان).
والشىء الصادم أن كل البدايات لم تكن تنبئ أو تؤدى إلى أى نوع من أنواع الحرمان فى حياة أحمد رامى الذى ينحدر من أصول تركية : فجده لوالده الأميرالاى التركى حسين بك عثمان.. ووالده الطبيب رامى حسين عثمان الكريتلى وأمه سيدة مصرية من عائلة عريقة ولكن (جينات الإبداع) فى خلايا الطفل أحمد رامى كان لا بد وأن تحمل معها (قدر المبدعين) من جينات الحرمان. فقد ذاق رامى اليتم وله أبوان.. حيث ولد فى أغسطس 1892 فى بيت عريق بحى الناصرية على مقربة من حى السيدة زينب بالقاهرة وكان أبوه حينئذ طالبا فى مدرسة الطب وشغوفا بالفن والأدب حيث كان يجتمع فى بيته كوكبة من أهل الفن والأدب، وبعد تخرج الأب من كلية الطب أصبح مطارداً باضطهاد رؤسائه الإنجليز فأنفق عمره مشردا بوظيفته. حيث عينه الخديو عباس الثانى طبيبا لجزيرة (طاشيوز) وهى جزيرة صغيرة تابعة لليونان وقال إندفو عاش فيها شعراء الإغريق العظام هوميروس وهيرودوس وكانت هذه الجزيرة ملكا خاصا لعباس الثانى قبل أن تستردها اليونان بعد ذلك. وقد ذهب رامى إلى هذه الجزيرة وعمره سبعة أعوام وقضى فيها عامين لتتفتح مسام خياله على غابات اللوز والفاكهة والبحر واللعب بين مروج النرجس وليعيش حيث عاش شعراء اليونان الأقدمين.. وخلال هذين العامين تعلم الطفل رامى التركية واليونانية ثم عاد إلى مصر ليلتحق بالمدرسة وقد عاد وحيدا بعد أن ترك أبويه فى (طاشيوز). وأقام عند بعض أقاربه فى بيت يقع فى أحضان مقابر الإمام الشافعى فامتلأت نفسه بالحزن والهم والحرمان.. وعاد الأب من طاشيوز وانتقلت الأسرة إلى بيتها القديم فى حى الناصرية ولكن سرعان ما أجبر الأب على الالتحاق بالجيش وسافر إلى مدينة واو على بحر الغزال فى جنوب السودان.. وانتقل الطفل أحمد رامى ليقيم عند زوج عمته الذى كان يعمل معاون المدافن الخديوية ويسكن فى حوش الباشا المطل على مسجد السلطان الحنفى ليجد رامى نفسه ممزقا ما بين السلوى والحرمان.. الحرمان المركب الذى تؤججه أصوات المشيعين وهم يشيعون ميتا بالصراخ والنحيب.. والسلوى التى تصاحب حالة السكينة التى تتملكه عندما يجلس طوال الليل، فى نافذة الحجرة ليستمع إلى الدراويش فى مسجد الحنفى وهم يتلون أورادهم وابتهالاتهم واستغاثاتهم فى نغم جميل طول الليل وقد استشرى الحرمان فى وجدان رامى ليصبح جوهر عاطفته نحو الأشياء والناس وليصبح نوعا من حب العذاب (الماشوسية).
ويعترف رامى بأثر هذه الأيام على حياته فيقول (حرمان هذه الأيام ا لبعيدة من صباى هو سر المسحة الحزينة فى كل معانى أشعارى). ولأن (الضيق) لابد وأن يكون مقترنا بـ(الفرج) ولأن الإنسان لايمكن أن يعدم (الحيلة) مهما كانت قسوة مأساته فقد وجد رامى (الفرج) فى بيت قريب له من بيت الرافعى وهو بيت علم وأدب وثقافة ووطنية حيث كانت لقريبه هذا مكتبة عامرة آنس إليها الفتى وراح يقضى بها معظم وقته. وتصادف أن كان أول كتاب قرأه رامي (مسامرة الحبيب في الغزل والنسيب) وهو مختارات من شعر العشاق والغزليين، ونستطيع أن نؤكد بأن هذا الكتاب قد قرر مصير الفتى وحكم عليه بالسير دوما فى طريق العشق والعاشقين.
وقد تعرف الفتى رامى على جمعية (النشأة الحديثة) والتى تضم مجموعة من فحول الأدباء مثل لطفى جمعة وإمام العبد وصادق عنبر ومحمود أبو العيون.. وتوسم صادق عنبر فى أحمد رامى خيراً عندما سمعه يقرأ الشعر فكلفه بقراءة مختارات من الشعر القديم فى الرواق الأسبوعى للجماعة وفى هذا الرواق قرأ رامى أول قصيدة له وهو فى الخامسة عشرة من عمره وكانت وطنية يقول مطلعها (يامصر أنت كنانة الرحمن.. في أرضه من سالف الأزمان).
وفى عام 1910 نشرت مجلة الروايات الجديدة أول قصيدة تنشر له ومطلعها (أيها الطائر المغرد رحماك… فإن التغريد قد أبكانى).
وقد حصل رامى على الابتدائية عام 1904 ثم حصل على البكالوريا عام 1911 وفكر بعدها فى دخول كلية الحقوق ولكن حبه للأدب دفعه إلى دخول مدرسة المعلمين العليا حيث تخرج منها عام 1914 (عام الحرب العالمية الأولى).
وبعد تخرجه عين مدرسا بمدرسة القاهرة الابتدائية.. وبعد عامين انتقل إلى مدرسة القرية الأميرية وكان يدرس الإنجليزية والجغرافيا والترجمة ثم انتقل إلى مدرسة المعلمين العليا التى تخرج منها ليعمل أميناً لمكتبتها، تلك المكتبة التى راح ينهل منها ويقرأ فى شتى مجالات المعرفة بالعربية والإنجليزية والفرنسية خاصة وأنه قد أضحى شاعرا معروفا.. وقد حسم رامى موقفه مبكرا حيث كانت هناك مدرستان كبيرتان فى الشعر العربى فى ذلك الوقت مدرسة (الإحياء) أو المدرسة الكلاسيكية الجديدة تلك المدرسة التى بدأت على يد محمود سامى البارودى ووصلت إلى قمتها مع أحمد شوقى وحافظ إبراهيم. ثم المدرسة الرومانسية بروافدها الثلاثة (الديوان – المهجر – أبوللو) وقد انحاز رامى إلى المدرسة الرومانسية وأصبح واحداً من شعرائها البارزين. واتصل بكبار الشعراء فى ذلك العصر وعلى رأسهم شوقى وحافظ وخليل مطران وعبد الحليم المصرى وأحمد نسيم وإن كان أكثر ميلا إلى حافظ وأكثر قرباً منه على المستوى الإنسانى، وكان يعرض أشعاره على حافظ فإما أن يثنى عليها أو إذا لم تعجبه القصيدة يقول لرامى (دى زى السلام عليكم كل واحد يقدر يقولها).
وفى عام 1918 أصدر رامى ديوانه الأول وأثار الديوان جدلا كبيرا بين رواد المدرستين القديمة والحديثة حيث جاءت قصائد الديوان رومانسية هادئة ظهر فيها رامى أكثر تحرراً من شعراء الكلاسيكية ولكنه أقل جرأة من معاصريه الرومانسيين ويغلب على رؤيته الفنية أحادية الجانب. رغم أن أشعاره تحمل ثنائية الحب والحزن حيث أن الحب عنده حب محروم مستسلم فيه قناعة وتضحية وينتهى بإذعان وانسحاب باك بينما الحزن خفيض الصوت ناعم رقيق يستعذب الألم ويستمرئ الحرمان ويرى العذاب نعمة.
وقد كان رامى يرى الشعر حقيقة داخلية ووحيا يلقى فى روع الشاعر فلا يملك له دفعا ويراه نجوى القلب التى لا يملك الشاعر إلا ترجمتها. كما يرى أن الشاعر صوتا من أصوات الطبيعة موحى إليه يقترب فى شفافيته وصفائه من مرتبة النبوة.
وفى عام 1920 صدر ديوانه الثانى وفى عام 1923 صدر ديوانه الثالث وقد صدرت هذه الدواوين بمقدمات لكبار الشعراء أحمد شوقى – خليل مطران – حافظ إبراهيم – وقد كتب حافظ فى مقدمة واحد من هذه الدواوين (أدمنت النظر فى شعر رامى فإذا به من ذلك النوع الحسن الذى يعجزك تقليل حسنه.. وشعر رامى هو شعر النفس وهو أرقى مراتب الشعر… ورامى شاعر موفق الشيطان إذا تغزل أو وصف .. رقيق حواس الألفاظ بعيد مرامى المعانى يقول الشعر لنفسه وفى نفسه).
وبعد أن رسخت قدم رامى كشاعر رومانسى لا يتسم بالفحولة وإن كان يتسم بالسلاسة والعذوبة أرسلته مدرسة المعلمين العليا فى بعثة دراسية إلى فرنسا لدراسة فن المكتبات،، ولكنه قرأ رباعيات الخيام فوقع فى هوى هذا الشاعر الفارسى العملاق وقرر أن يدرس اللغة الفارسية والتحق بالسربون لدراسة اللغات الشرقية . واكتشف أن الشعر الفارسى لا يخرج عن أشكال وبحور الشعر العربى كما أنه أكثر عناية بالوصف والروحانيات والتصوف والأخلاق والأساطير. واكتشف أن الخيام ليس شاعر غزل وخمريات ووصف ولكنه يستخدم كل هذه الآليات للوصول إلى الحكمة وقد كان رامى أول من نقل رباعيات الخيام شعراً إلى ا لعربية من الفارسية مباشرة حيث تمت ترجمتها أكثر من مرة إلى الإنجليزية كما تمت ترجمتها أكثر من مرة إلى العربية نثراً وقد بذل رامى جهداً كبيراً فى ترجمة رباعيات الخيام وذلك لوجود الكثير من الرباعيات المدسوسة على الخيام والتى لم يقلها وقد نشر رامى 140 رباعية من مجموع 800 رباعية للخيام. وقد أثر الخيام ورباعياته كثيرا جدا فى وجدان وعقل أحمد رامى بل وعلى مسيرته الشعرية حيث يؤكد رامى على أنه لم يكتب الشعر الدينى اكتفاءً بما ترجمه من رباعيات الخيام.
وإذا كانت أشعار رامى لا تتسم بالفحولة وتتسم بالسلاسة والعذوبة كما ذكرنا فإنها أيضا تتسم بقدر كبير من العفة والتعفف حيث يخلو ديوانه الذى صدر فى ستة أجزاء من أشعار المدح والهجاء وكلاهما ابتذال، وقد حرص رامى طوال إقامته فى باريس على أن ينشر أشعاره فى مجلتى (السفور) والشباب وكل من المجلتين تمثل علامة فارقة فى مشوار حياته حيث بدأ بنشر أشعاره بشكل منتظم فى مجلة الشباب لصاحبها عبد العزيز الصدر. وقد أطلق الصدر على رامى لقب (شاعر الشباب) نسبة إلى المجلة.. ولكن هذا اللقب ظل لصيقا به طوال مشواره كما ظل رامى طوال الوقت – حتى بعد أن تقدم به العمر – شابا فى إبداعه.
أما مجلة (السفور) فقد نشرت لرامي أثناء وجوده فى باريس قصيدة (الصب تفضحه عيونه) فأعجب بها الشيخ أبو العلا محمد الذى كانت تربطه علاقة ود وصداقة بأسرة رامى فأخذها ولحنها وغناها، وكانت أم كلثوم قد ظهرت وأضحت نغما سحريا يتقدم فى خطوات واثقة ليجلس على عرش الغناء العربى واحتضن الشيخ أبو العلا ذلك الصوت العبقرى وأعطاها قصيدة رامى لتغنيها وأصبح الصوت والقصيدة حديث كل الناس فى مصر المحروسة.
وعاد رامى من باريس ليجد قصيدته على كل لسان فتعجب من تلك المغنية الفلاحة التى تغنى أشعاره دون أن تستأذنه وذهب مع أحد أصدقائه إلى تياترو وحديقة الأزبكية ليسمعها حيث تغنى وجلس فى الصف الأول فوجدها فتاة تلبس ملابس الرجال والعقال فقال لها (عايز أسمع قصيدتى ياست لأنى كنت مسافر ولم أسمعها) وردت أم كلثوم بسرعة بديهة وذكاء فطرى كان أهم مكونات شخصيتها مترامية الأطراف (أهلا بيك يا سى رامى) وغنت أم كلثوم ليجد رامى نفسه أسيرا لهذه الفتاة صوتا وشخصا وليتأكد من أن هذه الفتاة هى (قدره) الحقيقى. وبعد أن أنهت وصلتها جلست أم كلثوم مع رامى وطلبت منه أن يكتب لها أغنيات خاصة بها. وكانت كتابة الأغانى فى ذلك الوقت مهنة (سيئة السمعة) حيث كان الغناء يتسم بكثير من المدلولات الجنسية وذلك لأنه يقدم فى الكباريهات بشكل أساسى فكيف يكتب رامى الأغانى وهو الشاعر اللامع الذى أصدر ثلاثة دواوين وترجمة لرباعيات الخيام وكيف ينزل من قمة الشعر إلى سفح الأغنية. وفي هذا الوقت لم يكن هناك من كتاب الأغنية المعروفين إلا بديع خيرى ويونس القاضى وأمين صدقى.. ولأن (للهوى أحكام) فلم يطل تفكير رامى أو تردده حيث قرر أن يكتب أغنيات خاصة بأم كلثوم وخطى أولى خطواته فى رمال أم كلثوم المتحركة عندما كتب لها أغنية (خايف يكون حبك لى.. شفقة علىّ) ودفعتها أم كلثوم إلى صبرى النجريدى طبيب الأسنان الذى كان يعيش فى طنطا ويلحن الأغانى فانتهى من تلحينها فى خمسة أيام وغنتها أم كلثوم لتحقق الأغنية نجاحا مدويا ليرتبط رامى مع أم كلثوم برباط (الفن المقدس) بعد أن تأكد أن (الرباط المقدس) الحقيقى وهو الزواج لن يكون أبداً.. والغريب أن رامى قد تأكد من ذلك من خلال صبرى النجريدى الذى أغلق عيادته فى طنطا وجاء ليقيم فى القاهرة وطلب الزواج من أم كلثوم فصدته بخشونة مما جعل رامى يتعلم الحكمة من رأس الذئب الطائر ويقول رامى عن ذلك (عندما طلب النجريدى الزواج من أم كلثوم صدمته فشعرت بأننى قرينه فقد أشار إلىّ بفعلته إلى ما لاينبغى أن أفعله).
وكان رامى بعد عودته من باريس قد تم تعيينه رئيساً لقسم الفهارس بدار الكتب، وقد تدرج بها حتى أصبح وكيلا لها، وبعد أن ارتبط فنيا بأم كلثوم قرر أن يعيد صياغة وجدان وعقل هذه الفتاة الريفية، والحقيقة أنه قد استطاع من خلال أم كلثوم أن يعيد صياغة الوجدان العربى بشكل عام وذلك من خلال أغنياته الكثيرة والجميلة التى قدمها لها على مدى سنوات طويلة. وقد خصص رامى يوماً فى الأسبوع لأم كلثوم وهو يوم الاثنين يوم أجازته من دار الكتب وفى كل أسبوع كان يحمل معه كتابا جديداً لتقرأه أم كلثوم ثم يناقشها فيه فى الأسبوع التالى فقدم لها جميع شعراء الغزل (مجنون ليلى – كثير عزة – جميل بثينة – عمر بن ابن ربيعة) كما قدم لها كل شعراء العشق الصوفى (ابن الفارض – الحلاج – ابن عربى) وقدم لها أيضا شعراء المجون (أبو نواس – بشار بن برد) ولم يتوقف عند ذلك بل قدم لها الغناء المصرى الشائع فى القاهرة الشعبية وفي أقاليم مصر المختلفة كما قدم لها غناء المداحين. وهكذا تحول رامى إلى مبعوث العناية الإلهية لتثقيف هذه الفتاة القروية التى كانت لاتشبع من الثقافة والأدب والشعر كما كانت تربة عذراء عطشى مما شجعه أكثر على أن يجعل (الحبل السرى) لمشاعره وأحاسيسه مرتبطا بها بل وأن يضع كل حياته بين يديها.
واستطاع رامى أن يقنع محمد القصبجى بالتلحين لأم كلثوم وحمل هذا (المثلث الذهبى) رامى والقصبجى وأم كلثوم طليعة التغيير والتطوير فى الغناء العربى.. واستطاع رامى أن يحقق ثورة كبيرة فى عالم الأغنية حيث لم ينس أنه شاعر كبير وبدلا من أن يقال إنه نزل من قمة الشعر إلى سفح الأغنية فقد استطاع أن يرتفع بالأغنية من السفوح إلى القمم فى الكلمة والمعنى انطلاقا من قناعته بأنه يقوم برسالة أدبية وقومية.. واستطاع أن يجعل أغنيته تقترب كثيرا من الشعر مما أثر فى كل كتاب الأغنية بل وفى روح الملحن وحنجرة المغنى حيث تمكن رامى من صنع توليفة لغوية رائعة تجمع ما بين الفصحى والعامية الدارجة أو ما يمكن أن نطلق عليه (اللغة الثالثة) تلك اللغة التى تبناها مجموعة من الرواد مثل توفيق الحكيم فى المسرح ومحمد التابعى فى الصحافة وأيضا يوسف وهبى فى المسرح.
وكان رامى يحرص فى كل أغنية على أن يركز على معنى معين من معانى الحب يتناوله بالعرض والتحليل حيث يرى الأغنية مثل الصورة لابد لها من إطار محدد وكان يؤكد على أن كل أغنياته تعبير عن مواقف عاشها سواء فى الفراق أو لقاء الحبيب بل كان يؤكد على أنه يبكى وهو يغنى لكى يهيج مشاعره ليعبر بصدق عن اللحظة التى عاشها. والغزل لدى رامى (عفيف دائما) لأنه لا يتعلق بالأوصاف الجسدية وإنما شوق وحرمان ولقاء وأحلام ووحدة.
وإذا كان رامى فى الشعر مصليا وليس إماماً فإنه فى الأغنية إمام وشيخ طريقة وله أتباع ومريدون وتلامذة ومن أشهر تلاميذ مدرسة رامى : مأمون الشناوى – مصطفى عبد الرحمن – حسين السيد – أمين الهجين..
وكان رامى يتعامل مع كتابة الأغنية على أنها مخاض حقيقى وعملية ولادة فعلية حيث كان يحمل فى جيبه ورقة وقلما رصاص ليسجل أفكاره وكان يكتب هذه الأفكار في أى مكان وكان يرفض تحويل هذه الأفكار إلى أشعار حتى تلح عليه وتنضج تماماً، وعند ذلك يدخل إلى حجرته ويفلقها ويحتضن وسادته. ويصف رامى حالته عندما يكون فى حالة كتابة فيقول (تشوفنى وأنا ألد أشعارى ما تعرفنيش.. أكتب مقطعا ثم يغيب منى وجدانى.. أستلقى على السرير متوجعاً.. أردد المقطع الذى ولدته بصوت الحداة الذين يرعون الغنم فى السهول.. ثم أبكى من الانفعال حتى يهتز جسدى.. لحظتها تهبط علىَّ كلمات المقطع التالى). فإلى هذا الحد كان يعانى شاعر الشباب فى كتابة أغنياته ولذلك أصبح بلا منازع عميد الأغنية المصرية والعربية. ولذلك لم يكن غريباً أن يحصل على جائزة الدولة التقديرية فى عام 1966 تقديراً لعطائه كشاعر غنائى وقد جاء فى تقرير ترشيحه لجائزة الدولة التقديرية (ولماكانت الأغنية المصرية قد مرت بها فى العهود الماضية فترة انحطاط فقد كان الأستاذ رامى أسبق الشعراء إلى حمل إمامة الأغنية بالاضطلاع بتهذيب ألفاظها والسمو بمعانيها ورفع مستواها مما أدى إلى النهضة التى بلغتها الأغنية العربية فى عهدنا الحاضر… والأستاذ رامى فى جميع إنتاجه الغزير لايقتصر على الناحية العاطفية وحدها بل يتناول الأهداف الوطنية ومن ذلك نشيد العلم ونشيد الجامعة وكثير من أناشيد الثورة).
والغريب جداً أن رامى لم ينجح فى انتخابات مجمع اللغة العربية والتهمة أنه يشايع العامية..!!
والأكثر غرابة أنه بعد فوزه بجائزة الدولة التقديرية أقسم عليه تلميذه وصديقه صالح جودت أن يعود لكتابة الشعر الفصيح فكتب قصيدة (أقبل الليل) التى غنتها أم كلثوم واستعرض فيها عضلاته الشعرية حيث كتب من عشرة أبحر شعرية مختلفة ورغم تميز هذه القصيدة إلا أنه كان يرى أن قصيدة (ذكريات) هى أجمل ما غنت أم كلثوم من أشعاره.
وإذا كانت العلاقة الفنية بين رامى وأم كلثوم تعد بحق (النموذج الأمثل) لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين شاعر كبير ومطربة عظيمة إلا أن العلاقة العاطفية كانت شديدة التوتر بعد أن أصبحت تسير فى اتجاه واحد من رامى إلى أم كلثوم ولم يكن يخجل من إعلان حبه وسعادته بعذاب هذا الحب فكان يقول (تعلمت من تجاربى معها كيف أتجنب الشراك فلا أقع فيها.. فموقفى السلبى هو حصنى الحصين.. رغم أنى كنت أتعذب وهى محط أنظار وعواطف الكثيرين وعندما تملكنى اليأس من الارتباط بها قررت الزواج).
ولم يتزوج رامى إلا فى سن الثانية والأربعين والمفاجأة أن أم كلثوم غنت له فى حفل زفافه (اللى حبك يا هناه).. ورغم زواجه كان يردد دوما (إن علاقتى بأم كلثوم لم تكن حبا.. إنما كانت تقديسا.. ما كان بيننا كان أكثر من الحب). وحب رامى فيه عفة وليس فيه ابتذال وفيه وفاء وليس فيه غدر.. وفيه احترام وليس فيه شهوة.. فهو العاشق الذى يغضب فلا يحطم المعبد بل يقف خارج المعبد يتعبد فى المحبوب الذى أذاقه مرارة العذاب ونار الحرمان.. وكان يؤكد أن الحرمان هو أجمل ما فى الحب العذرى.. وقد وصف صالح جودت هذا الحب الغريب بين رامى وأم كلثوم قائلا (ليس حب رجل لامرأة.. فقد كان حبا إلهيا قدسيا.. زى حب الإغريق لآلهة الأوليمب.. أول رامى ما عرف أم كلثوم سنة 24 وهو يحس نحوها بنوع من الغيرة السامية.. نوع من الرغبة في الصيانة والحراسة).
وقد ارتضى رامى أن يصبح درويشا يدور فى فلك أم كلثوم الصوت والحبيبة فعندما يسمع صوت أم كلثوم يصاب بحالة (دروشة) ويصف نفسه قائلا (أبقى مذهول ومذهوب بى) ويغمض عينيه ويقول (العيون لها عقل ولسان والصب تفضحه عيونه).
وإذا كانت أم كلثوم المطربة قد انتصرت على أم كلثوم الإنسانة فرفضت رامى الحبيب لتحتفظ برامى الشاعر ولتجعل من حبه وقوداً يدفعه لكتابة أغنياته العظيمة. إلا أن عطايا أم كلثوم لرامى لم تكن بالشىء الهين فقد جعلت منه مستشارها الأول حيث تأخذ رأيه فى كل شىء يخصها وتعرض عليه الأغنيات التى يكتبها الآخرون وإذا كان رامى قد كتب ما يقرب من نصف أغنيات أم كلثوم فقد كتب لها بقية أغنياتها 52 شاعرا. كما جعلت أم كلثوم من رامى المستمع رقم واحد لها حيث كانت تحرص حتى رحيلها على أن يجلس فى كل حفلاتها فى المقعد رقم 8 بالصف الأول. كما صممت على أن يصحبها فى كل رحلاتها داخل مصر وخارج مصر بعد حرب 67 عندما أحيت مجموعة كبيرة من الحفلات لصالح المجهود الحربى. وفى المقابل لم يكن رامى يغضب من أى تعديلات تجريها أم كلثوم على كلمات أغانيه طالما أنها لا تغير فى الموضوع وطالما أنها تتم بالاتفاق. خاصة وأنه كان على يقين بأن أم كلثوم هى (ديوانه المسموع) .
وعندما رحلت أم كلثوم أصيب رامى بصدمة عنيفة هزت كيانه وأدخلته فى حالة انعدام الوزن واعتزل الناس وعاش وحيداً فى حجرته التى كان يطلق عليها دوماً (الصومعة) وعاش فى دوامة من التصوف والاكتئاب زاد من قسوتها إصابته بتصلب الشرايين والتهاب فى الكلى ورحيل أولاده إلى خارج مصر حيث سافر ابنه محمد إلى إنجلترا وابنه توحيد إلى أمريكا وابنته إلهام إلى ألمانيا.. ولم يكن يفرج عنه إلا بعض الأبيات الشعرية التى يكتبها يناجى فيها ربه مثل :
يا إلهى يا خالقى سبحانك
إن فى طاهر القلوب مكانك
جئت أسعى إلى رحابك أدعو
ولسانى مرتل قرآنك
ولم يتحدث رامى إلى الصحافة بعد رحيل أم كلثوم إلا مرات قليلة جدا حيث انتقد بعنف حال الأغنية حيث قال (موسيقانا الآن كرجل صعيدى بجلباب بلدى ولكنه يرتدى برنيطة أمريكانى والأغنية الآن كالبطيخة الماوى فيها مياه وكبيرة الحجم وليس لها طعم)، وقال أيضا (الأغنية فقدت الكلمة الحلوة والمعنى الجميل وأصبحت ألفاظها سوقية مكشوفة ومعانيها مبتذلة تافهة وخرجت عن إطار الروحانية وسقطت فى أوحال المادية الحسية).. فماذا لو امتد العمر برامى ليرى ما نعيش فيه من قصف متواصل وحرب ضروس للفضائيات الغنائية التى لا ترى فى الغناء إلا بعض (المشهيات الجنسية المكشوفة) وصدق رامى عندما قال (أغانى هذه الأيام سمك لبن تمر هندى).
وقبل أن ننهى هذه الوقفة مع شاعر الشباب أحمد رامى نؤكد على أنه من الظلم أن نحصر عطاءاته الإبداعية فى مجال الشعر والأغنية؛ فقد امتدت عطاءاته إلى عالم السينما والمسرح والترجمة. وبدأت علاقته بالسينما من خلال صديقه الموسيقار محمد عبد الوهاب الذى عرفه قبل أن يعرف أم كلثوم، وكان عبد الوهاب يرى أن رامى (أمير الأغنية) كما أن شوقى (أمير الشعراء) واستطاع رامى أن يجمع ما بين صداقة (القوتين العظميين) رغم كل ما بينهما من اختلافات.. فقد كتب كل أغنيات الأفلام الأربعة الأولى لعبد الوهاب إلا أغنيتين هما «النيل نجاشى» وكتبها أحمد شوقى و«جفنه علم الغزل» وكتبها بشارة الخورى. وبعد بداية تجربته السينمائية مع عبد الوهاب كتب قصة فيلمى أم كلثوم وداد ودنانير. كما قام بترجمة العديد من المسرحيات لوليم شيكسبير مثل هاملت – يوليوس قيصر – العاصفة – النسر الصغير – وقدم هذه المسرحيات لفرقتى يوسف وهبى وفاطمة رشدى كما ترجم أيضا «سبيل التاج» لفرانسوا كوبيه و(سميراميس) لبلاران و(شارلوت كوفارى) ليونارى و(جان دارك) لبارييه و(يهوديت) لبرتشتين و(أرنانى وماريون دى لورم) لفيكتور هوجو.
كما كتب رامى عدة مسرحيات من تأليفه وهى : إبنتى – حبابه – غرام الشعراء.
وفى النهاية فإنه من المستحيل أن نختصر تسعين عاما فى بضع وريقات، ولكننا نؤكد على قيمة وتفرد أحمد رامى ذلك الصوفى الذى ذاق فعرف فامتطى جواد البوح… وتألم فصرخ شعرا نورانيا مصفى والذى عاش طوال حياته فى حالة دائمة من (الوسطية) والذى كانت أغنياته (عصى موسى) التي التقمت الإباحية التى كانت فى الغناء قبله.. وفى ظل الإباحية الغنائية التى كادت أن تغرقنا فى الوقت الحالى لا نجد ما نعتصم به إلا أغنيات رامى….! ( منقول )