كيف يرى الغربيون المقام؟

حسب وجهة النظر الأوروبية، تعتبر كل أنواع الموسيقى الآسيوية سواء كانت عربية أم تركية أم يابانية أم هندية، موسيقى شرقية. فهي عالم للأصوات عجيب، ومع ذلك تتمايز فيه العديد من النظم الموسيقية، وتشترك في نفس الوقت بالعديد من القواسم المشتركة. وما يجمع موسيقى غرب آسيا (أي المنطقة العربية وإيران وتركيا، وكذلك آذربيجان وغيرها) هو المقام، بالرغم من الاختلاف في التسمية: شاشمقام أو دشتكاه أو مقام.
وهناك جذور مشتركة لموسيقى هذه المنطقة بالاشتراك مع الموسيقى البيزنطية (والموسيقى الدينية للكنائس الشرقية، مثل الكنيسة السريانية) والموسيقى الشعبية في البلقان واليونان .والمقام تكنيك للارتجال الموسيقي فريد من نوعه في العالم، يشبهه بعض الأوربيون – مع كبير الفارق – بموسيقى الجاز من ناحية فعالية الارتجال. ويتطلب أداء المقام (قراءة أم عزفاً على الأدوات) درجة عالية من البراعة والخبرة ومعرفة خبايا هذا الفن.لا يمكن إعطاء تعريف واضح للمقام، فيرى نتل وفولتن بأن المؤدي يقرأ المقام مستنداً إلى “سلم” موسيقي خاص، مع مجموعة من الموتيفات الخاصة تميز كل مقام. ويتحدث د. حبيب حسن توما عن تحقيق نظامي ومفقَنْوَن للمستويات المصوتية (النغمية أو التونية Tonal levels) بشكل تدريجي، وصولاً الى القمة واكتمال الشكل. بذلك نرى أن المقام ظاهرة معقدة تتداخل في تشكيلها العديد من العوامل التي لا تزال بحاجة الى الدرس والبحث المستندين الى العلوم الحديثة.

منذ بداية العصر العباسي، قام العلماء والفلاسفة العرب والمسلمون بدراسة الموسيقى العربية واستندوا في ذلك الى النظرية الاغريقية القديمة التي اعتمدت في تحديدها للأبعاد الموسيقية على قياس أطوال الأوتار (وهي النظرية المعروفة باسم فيثاغورس). وأسهم في هذه الدراسة الكثيرون منهم الفارابي وابن سينا والكندي وصفي الدين الأرموي وقطب الدين الشيرازي، ثم عبد القادر المراغي في فترة لاحقة في القرن الرابع عشر وغيرهم. ويعتبر كتاب الارموي “كتاب الأدوار” وكذلك “الرسالة الشرفية” من أبرز ما كتب من دراسات عن الموضوع. ولعدم شيوع أي نظام للتدوين الموسيقي (رغم المحاولات العديدة)، أفعطيت للأصوات الموسيقية أسماء اشتقت من أسماء المقامات (وهي النغمة المميزة للمقام، مثلاً النغمة التي يبدأ بها). ولكن لغاية اليوم لا يوجد إتفاق بصدد تردد هذه الأصوات. ولو أخذنا سلم دو الكبير الأوروبي لوجدناه يقابل النغمات التالية وفقاً للنظام التركي: جاركاه (دو C)، نوى (ري d)، حسيني (مي e)، عجم (فا f)، كردانية (صول g)، مفحيّر (لا a)، جواب بوسليك (سي b)، ثم جواب الجاركاه (دو c). أما في العراق ومصر فهدا السلم يقابل: رست (دو) دوكاه، بوسليك، جهاركاه، نوى، حسيني، أوج، ثم كردان. بالطبع ليس من الضروري أن يكون صوت دو مقابلاً لجاركاه أو رست (فهناك من الأتراك من يؤدي أعلى برابعة عما ذكر، أن أن دو تقابل عجم عشيران).

ويستعمل الأوروبيون كما هو معروف نظاماً يسمى بالنظام المعدل “يجري خلاله تعديل الأبعاد الطبيعية التي تفرضها القوانين الفيزياوية، بحيث تقسم المسافة بين أية نغمة وجوابها (الاوكتاف أو الثامنة) الى 12 بعد متساو”، أما الموسيقى العاربية (وفي غرب آسيا) فتتميز باستعمال الأبعاد الطبيعية التي تستعمل الكوما (comma) الفيثاغورية، حيث تسمى بالفضلة. ففي حين يستعمل النظام الأوروبي بعدين فقط (تون ونصف التون)، يستعمل العرب الأبعاد التالية: البقية وتعادل 4 كومات (نصف تون صغير)، المجنب الصغير ويعادل 5 كومات (نصف تون كبير)، المجنب الكبير ويعادل 8 كومات (تون صغير)، الطنيني ويعادل 9 كومات (تون كامل، وهناك تشابه في الأسمين، طنيني وتون)، إضافة الى بعد آخر يعادل 12 كومة (أحد الأبعاد المستعملة في بناء عائلة مقام الحجاز). ومن هذه الأبعاد تبنى هياكل المقامات – أي “السلالم” الموسيقية بالعرف الغربي. وفي عام 1932 عمم في مصر ما أفسمي بنظام الأرباع المعدل (على غرار السلم الأوروبي المعدل الذي أدخله الموسيقار العظيم باخ) يستند الى تقسيم الأوكتاف الى 24 “ربع” متساو، وهو نظام فاشل من البداية، لأن الواقع والممارسة لم يبررا حق هذا النظام في الوجود ما دامت الموسيقى تعتمد الأبعاد الفيزياوية (الطبيعية). ويرى الاستاذ سلمان شكر (عازف العود العراقي الشهير) بأن النظام الصحيح هو نظام الأرموي الذي تستعمله تركيا اليوم، والذي يستند الى أبعاد البقية والمجنب والطنيني.

قام الأتراك في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين بدراسة الموسيقى التركية ووضعوا لتدوينها نظاماً خاصاً. ومن أبرز باحثيهم رؤوف يكتا (1871-1935) و د. صوفي أزكي (1869-1962)، وسعد الدين آريل (1880-1955). ويعتقد أزكي وآريل بأنه يمكن تقسيم الاوكتاف الواحد الى 24 بعد غير متساوي (بعد طبيعي)، وأسميا ذلك بنظام الأربعة وعشرين صوتا غير المتساوي (Non-tempered). وتتضمن النغمات الأربعة والعشرين هذه أبعاد البقية والمجنب والطنيني، وهناك أبعاد اخرى غير قياسية مثل صبا وهفزّام وعشاق وغيرها. واستناداً الى هذه الدراسات التي اجريت على الموسيقى التركية يمكن القول بأن ما يحدد المقام يكمن في شروط خمسة:

1. البناء البعدي (وبعبارة اخرى مقتبسة من النظام الأوروبي: السلم الموسيقي).

2. تسلسل المراكز النغمية (Tonal centers).

3. التحويل (Modulation).

4. وجود موتيفات (جمل لحنية) مميزة لكل مقام.

5. النسيج (Tessitura)

لكل مقام “سلمه” الخاص، مثلا الرست: رست، دوكاه، سيكاه، جاركاه، نوى، حسيني، أوج، ثم كردانية. وعدد الكومات بينها هو: 9، 8، 5، 9، 9، 8، 5، 9. لكن تحديد البناء البعدي لا يكفي لتمييز مقام عن آخر، يجب تثبيت تسلسل المراكز النغمية، والتي هي محطات رئيسية أثناء التطور اللحني. فمثلاً لمقامي العشاق والبيات نفس السلم، وهو دوكاه، سيكاه، جاركاه، نوى، حسيني، عجم، كردانية، محيّر. وللمقامين نفس المراطز النغمية وهي دوكاه ونوى ومحر. أما الفارق فيكمن في اختلاف تسلسل المراكز النغمية، فمقام العشاق يبدأ من الدوكاه ويصعد الى النوى ثم يصعد الى المحير. أما البيات فيبدأ من النوى وينزل الى الدوكاه وبعدها يصعد الى المحير.

ويعني التحويل (Modulation) إدخال نغمة أو جملة موسيقية أو قطعة كاملة من مقام آخر يختلف عن المقام الأصلي. وكثيراً ما يحدث أن يجري اعتبار مقام ما ادخلت عليه نغمة واحدة مقاماً جديداً يختلف عن المقام الأصلي، وهذا يفسر العدد الكبير للمقامات. وكمثال على ذلك يقول الأتراك أن مقام أصفهان لا يختلف عن البيات سوى بوجود نغمة نيم حجاز.

ويلعب النسيج (Tessitura) دوراً هاماً في إعطاء المقام طعمه الخاص، بالتالي اختلافه عن مقام آخر شقيق له. وكمثال على ذلك يبدأ مقام بوسليك من درجة دوكاه، في حين يعتبر مقام سلطاني يكاه الفخم نسخة مطابقة للبوسليك تبدأ من درجة يكاه، أي أنه أوطأ بخامسة. وبغض النظر عن الفروق الاخرى، فإن قرار السلطاني يكاه الفخم يختلف في طعمه عن قرار البوسليك، ولذلك اسمي بالسلطاني. وكذلك الحال مع مقام عراق، فهو مماثل لمقام السيكاه، ألا لأنه يبدأ من درجة عراق.

 بقلم : ثائر صالح

4 آراء على “كيف يرى الغربيون المقام؟

  1. يا أستاذ تاريخ للموسيقى
    قام “سلمه” الخاص، مثلا الرست: رست، دوكاه، سيكاه، جاركاه، نوى، حسيني، أوج، ثم كردانية. وعدد الكومات بينها هو: 9، 8، 5، 9، 9، 8، 5، 9. لكن تحديد البناء البعدي لا يكفي لتمييز مقام عن آخر، يجب تثبيت تسلسل المراكز النغمية، والتي هي محطات رئيسية أثناء التطور اللحني. فمثلاً لمقامي العشاق والبيات نفس السلم، وهو دوكاه، سيكاه، جاركاه، نوى، حسيني، عجم، كردانية، محيّر. وللمقامين نفس المراطز النغمية وهي دوكاه ونوى ومحر. أما الفارق فيكمن في اختلاف تسلسل المراكز النغمية، فمقام العشاق يبدأ من الدوكاه ويصعد الى النوى ثم يصعد الى المحير. أما البيات فيبدأ من النوى وينزل الى الدوكاه وبعدها يصعد الى المحير.
    شكرا جزيلا شكرا جزيلا

  2. المقام غناء تراثي عراقي يغلب عليه الارتجال والتنقل ببراعة بين مختلف المقامات الموسيقية المعروفة .
    وعادة ما يغنى بمصاحبة الآلات الموسيقية إذا كانت المناسبة دنيوية … أما إذا كانت المناسبة دينية فعادة ما تسقط الآلات الموسيقية ويبقى فقط الدف.
    تاريخ المقام غير معروف تماما فمنهم من ينسبه للعصر العباسي ومنهم ينسبه إلى 500 عام خلت أي للعصر العثماني .
    يشبه المقام من الناحية الموسيقية موسيقا المناطق المجاورة … كالمقام الإيراني أو الأذربيجاني شبها تاما ويقترب كثيرا من المقام الطاجيكي والأوزبكي ويختلف بفرو قات صغيرة .
    المقام غناء كلاسيكي عراقي بحت قد يشبه من الناحية المقامية المقامات التي تستعمل في البلاد العربية ..ولكنه يتناولها بطريقة مختلفة مميزة وبأسلوب هذا التناول والأداء .
    يتألف المقام من عدة مقاطع لا تقبل الزيادة أو النقص أهمها الارتجال الكامل الذي يعتمد على السمع وينطق بالحنجرة وبالتنقل على السلالم الموسيقية بطريقة مضبوطة خالية من النشاز.
    ونستطيع التأكيد المقامات هي غناء فني وضعه ولحنه مغنون عراقيون ووضعوا له القواعد والأصول التي لا يجوز بأي حال من الأحوال البعد عنها ولا يجيدها إلا من تعلم القواعد والأصول .
    للأسف لم يدون فن المقام وذلك عائد لاستحالة كتابة الانتقالات الكثيرة وكثرة النغمات وتشابهها تشابها قد يعجز المدونين … كما أن قلة المتعلمين ( المدونين ) في القرن التاسع عشر كان سببا مهما لعدم كتابة المقام.
    مقومات المقام العراقي :
    النغم
    يتألف المقام أو كل مقام من المقامات من نغم معين كالبيات والراست والصبا والحجاز والديوان والسيكاه والجهاركاه والحسيني ، وهذه هي الأنغام السبعة التي تتكون منها المقامات .
    یعقوب یوسف

  3. مشاء الله عليك يا أستاذ تاريخ للموسيقى
    حبذا لو تستطيع تسجيل هذه المعلومات بشكل فيديو مصور منزل على الموقع بالصوت و الصور
    ليتم الإستفادة منه و تنزيله و أرشفته و هذا بإعتقادي ليس بالأمر الصعب جدا
    مع الشكر و التقدير للمعلومات القيمة المكتوبة

اترك رداً على âmani إلغاء الرد